التدوين 101: ما هو التدوين؟
تعود أقدم تقنيات الطباعة المعروفة إلى القرن الثامن الميلادي، حيث نُحتت كتلٌ خشبية مُسطّحة لطباعة صفحات كاملة باستخدام حبرٍ كربوني في كلٍ من الصين وكوريا.
بينما حدثت القفزة الأكبر نحو تقنيات الطباعة الحديثة على يد المخترع الألماني يوهان غوتنبرغ في القرن الخامس عشر الميلادي. إذ طوّرت قوالبٌ للحروف توضح بجوار بعضها ثم تُضغط على الورق. ما سمح بإعادة إنتاج الكتب بكميات كبيرة ومكّن بدوّره عامة الناس من الوصول إلى المعرفة المكتوبة.
فعلى سبيل المثال، بيعت خلال أسبوعين فقط 5 آلاف نسخة من الترجمة الألمانية لكتاب العهد الجديد التي أنجزها مارتن لوثر عام 1522. ساهم انتشار الكتاب المُقدّس وترجماته بظهور العديد من التفسيرات الدينية غير الرسميّة، وما أثار ذلك من نقاشاتٍ وإنتاج للأفكار والرؤى الدينية بشكلٍ أكثر ديمقراطية.
لعب انتشار المعرفة، الأخبار، ومحو الأمية في عموم أوروبا دورًا مهمًا في انطلاق شرارة الإصلاح الديني، عصر التنوير، ومن ثم الثورة الصناعية. لم تكن المنطقة العربية بعيدةً عن ذلك، فقبل نهاية القرن السادس عشر أُسست مطبعة دير مار أنطونيوس قزحيا كأوّل مطبعة في العالم العربي.
رغم ذلك لم يكن النشر نفسه ديمقراطيًا. مع مرور الوقت أصبحت الصحف مراكز للثروة والسلطة، فرص المشاركة في النشر كانت قليلة جدًا، لا سيما لمن يحمل وجهات نظرٍ مخالفة لأصحاب المطابع وشركات الإعلام. الزخم الذي أحدثته الطباعة وحركة النشر بدأ عاليًا جدًا لكنه سرعان ما احتكر.
ما حصل مع الطباعة تكرّر لاحقًا مع جميع وسائل النشر والتواصل، بدءًا من التلغراف، الهاتف، السينما، المذياع ومن ثم التلفاز والآن الإنترنت.
يمكن تلخيص هذه المراحل بالنقاط التالية:
- يتوصل المخترعون إلى تقنية جديدة.
- يطوّر الهواة أسلوبهم في استخدام تلك التقنية ونشرها. زخمٌ كبير يُرافق هذه المرحلة.
- تتنبه الشركات إلى فرصٍ واعدة للربح، فتستثمر بتلك التقنية، تصقلها وتُعيد طرحها. الشركة تبدو حليفةً للسوق في هذه المرحلة.
- عندما تصبح الشركة قويةً كفايةً، تقفل تلك التقنية أمام الاستخدام العام، وبمساعدة الحكومات تخلق احتكارًا جديدًا.
بعد فترة طويلة من الركود ستظهر تقنية جديدة لكسر الاحتكار السابق، وللأسف ستبدأ الدورة ذاتها مجددًا.
في ثمانينات القرن الماضي طُوّرت شبكة الويب. نقل البيانات عبر كابلات الهاتف بين أجهزة الكمبيوتر المختلفة حول العالم كان ثورة رقميةً هائلة. رغم ذلك بقي أسلوب النشر التقليدي سائدًا، حيث الموقع ينشر و القارئ يتلقى ويستهلك.
محاولاتٌ عدّة لإنشاء مواقع ومنصات تستضيف مشاركات ومناقشات الزوار حدثت لاحقًا، إلا أنّ ظهور مواقع اليوميات على الإنترنت كان الخطوة الأكثر رواجًا ونجاحًا لإتاحة النشر للعموم. شهدت الفترة ما بين عامي 1994 وَ 1997 ظهور أوائل المواقع الشخصيّة التي كان يدأب أصحابها على نشر يومياتهم فيها. فيما بعد ساعدت منصات التدوين على انتشار هائل وتبنٍ كبير لثقافة المدونات الشخصيّة. تُعتبر الآراء الشخصيّة، التجارب الحياتيّة، الكتابة عن الهوايات والاختصاصات، مواضيع رئيسة للمدوّنات.
بحلول عام 2008 بلغت حركة التدوين ذروتها، إذ تذكر بعض الإحصائيات أن مدوّنة جديدة كان يجري إنشاءها في كل ثانية. لاحقًا سعت الشبكات الاجتماعية وشركات عملاقة أخرى إلى احتواء حركة المحتوى المُنتج من المستخدمين، ونجحت بإبقائنا داخل أسوار مواقعها. بهذا تفقد شبكة الويب طبيعتها المفتوحة لصالح نمط مُغلق ومُتحكّم من منصات النشر.
في بداية الأمر لم يكن واضحًا أو مُقنعا بالنسبة لكثيرين منا مشاكل العيش داخل منصة مملوكة. اليوم يتبلور وعيٌ متزايد بالآثار النفسية، الاجتماعية، بل وحتى السياسيّة الناجمة عن تحكم شركة واحدة بما يمكن لملايين المستخدمين من استهلاكه ونشره.
هنا مقارنة للفارق بين المدونّات ووسائل التواصل الاجتماعي:
المدونّات | شبكات التواصل الاجتماعي |
---|---|
طبيعة مفتوحة | طبيعة مُغلقة |
أي زائر يستطيع تصفح المحتوى | يمكن للزوار أحيانًا رؤية بعض المحتوى فقط |
أي زائر يستطيع ترك تعليق | فقط المستخدمين يمكنهم المشاركة. أحيانًا تنحصر المشاركة على الأصدقاء أو المتابعين |
يمكن الوصول للمحتوى عبر مُحركات البحث بسهولة | لا تسمح الكثير من المنصات لمحركات البحث بأرشفة محتوياتها |
يمكن بسهولة استهلاك المحتوى برمجيًا (مثل تجريف البيانات) | لا يُسمح باستهلاك المحتوى برمجيًا في معظم الأحيان |
أنت تملك ما تكتب وتستطيع تصديره ونقله إلى مواقع مختلفة | تصدير المحتوى غير متاح دومًا، ولا يمكن استيراده إلى منصات أخرى |
أنت تقرر ما ترغب بمتابعته | الخوارزميات تتدخل في انتقاء وترتيب المحتوى |
يمكن للزوار الوصول بسهولة وقراءة ما كتبته منذ عشر سنوات | خلال بضع ساعات يختفي المحتوى الذي كتبته |
بهذا المعنى يُعزّز التدوين من الطبيعة المفتوحة والحرّة لشبكة الإنترنت، حيث يمكن لجميع الناس من مختلف المشارب والتوجهات نشر واستهلاك المحتوى على الويب للتعبير عن أنفسهم في فضاءات موزّعة لامركزيّة يملكونها ويديرونها هم.
التدوين 101، هي سلسلة من المقالات تهدف إلى إيصال وتعزيز ثقافة التدوين في الوطن العربي. تتناول الجوانب الثقافية والتقنية المختلفة لامتلاك مدوّنة.
الفهرست هو موقع يُعنى بالتدوين الشخصي. يمكنكم التعرّف على مئات المدوّنات العربية ومتابعة ما تكتبه من خلال هذه البوابة.
مُصادر مُستخدمة:
- Printing From Wikipedia, the free encyclopedia.
- Global spread of the printing press From Wikipedia, the free encyclopedia.
- Blog From Wikipedia, the free encyclopedia.
- Larson, Q. (2017) The future of the open internet — and our way of life — is in your hands. FreeCodeCamp.